مفهوم استنفاد الولاية وتميزه عن الحجية.
استنفاد الولاية وهي خروج القضية من ولاية المحكمة، فمجرد صدور الحكم تستنفد المحكمة سلطاتها إزاء النقطة التي فصلت فيها فلا تملك الرجوع في الحكم او تعديله ولو تبين لها عدم صحة ما قضت به، ويترتب هذا الأثر من وقت النطق بالحكم اما قبل ذلك فيعتبر الحكم مجرد مشروع يصح تعديله وتغييره، فاذا نطق به أصبح ملكا للخصوم وانقضت كل سلطة للقاضي في تناوله بأي تعديل مهما كان طفيفا.
ولا يقوم الاستنفاد على أساس عدم الولاية أو عدم الاختصاص، لان المحكمة التي ادرت الحكم كان لها ولاية القضاء، ومازالت لها تلك الولاية في غير المسألة التي فصلت فيها، يقوم استنفاد الولاية على أساس سقوط حق المحكمة في الفصل فيما فصلت فيه، اذ لا يجب الفصل في الموضوع الواحد مرتين من محكمة واحدة، حرصا علي منع تضارب الاحكام وتحقيقا للاستقرار المنشود وتدعيما لثقة المتقاضين بالأحكام.
ويستنفد القاضي ولايته طالما أصدر حكما قطعيا، فالأمر لا يقتصر على الاحكام التي تنتهي بها الخصومة امام المحكمة فحسب، وانما يشمل أيضا سائر الاحكام القطعية التي تصدر أثناء نظر الدعوي فاذا أصدرت المحكمة مثلا باختصاصها في نظر دعوي لا يجوز لها ان تحكم بعد ذلك بعدم اختصاصها واذا قضت بعدم جواز اثبات واقعة بشهادة الشهود لعدم جواز ذلك وفقا لقواعد قانون الاثبات فلا يجوز لها العدول عن هذا القضاء فيما بعد.
فقاعدة الاستنفاد يؤدي اعمالها الي ترتيب حصانة للأحكام القطعية تحول دون المساس بها، وتغلق باب المناقشة حول المسائل التي قضت فيها داخل إجراءات الخصومة التي صدره فيها، فاستنفاد الولاية يتعلق بالنظام العام، وتقترب فكرة استنفاد من الولاية فكرة حجية الامر المقضي فمؤدي الحصانة التي تترتب على الاستنفاد وهو منع نظر المسألة الواحدة والحكم فيها أكثر من مرة وهو ذاته مؤدي الحجية في أحد وجوهها.
ان الفكرتين مختلفتين، فحجية الامر المقضي به، هي صفة في مضمون الحكم، أي في الامر المقضي تكفل فاعليته خارج الإجراءات وتتمثل في تقييد الخصوم بالرأي القضائي في أي إجراءات أخري مستقلة، عن الإجراءات التي صدرت فيها، هي فكرة تعمل خارج الخصومة بعد انتهائه، لضمان استقرار الحماية القضائية التي منحها الحكم، اما استنفاد الولاية أو السلطة فهي نتيجة للصفة القطعية في الحكم، وهي صفة في الحكم ذاته كعمل قانوني داخل الإجراءات لبتي صدرت فيها.
فالحجية هي الأثر السلبي الأساسي للحكم أو فاعليته القانونية ذاتها، أما الاستنفاد وما يؤدي اليه من عدم المساس بالحكم فهو وسيلة لدوام استمرار هذا الأثر، بالإضافة لي ان الحجية نسبية اما استنفاد السلطة فأثر مطلق داخل الخصومة.