التهاب السّحايا (Meningitis) هو مرض التهابي يصيب الأغشية المُخاطيّة المُحيطة بالدّماغ والنخاع الشّوكي، بسبب عدوى بكتيريّة أو فيروسيّة.
انواع التهاب السحايا
يختلف سير المرض واعراضه بحسب النوع. ويشمل التهاب السحايا الانواع التالية:
1- التهاب السّحايا الجرثومي
توقّعات سير مرض التهاب السحايا (Prognosis): هناك احتمالات جيدة للشفاء دون أي أضرار جانبية، ولقد تمّ تقدير احتمالات الشفاء التام، وفقًا لأبحاث طبّيّة، بنسبة 90%، شريطة أن يتم العلاج في مرحلة مبكّرة.
إن العوامل التي من الممكن أن تؤثّر على احتمالات الشّفاء، هي بالأساس، اعتلال صحّة المريض، تأخير في مباشرة العلاج، أو جرثومة من سلالة شرسة أكثر من المعهود.
2- التهاب السحايا العقيم (Aseptic meningitis)
لم ينجح الباحثون بعد، بتحديد مسبب هذا النوع من الالتهاب، في محاولاتهم لتربيته في مُستنبت، بعد أخذ عيّنة من سوائل الجسم – من هنا، تمّ استيحاء الاسم (ولكن هناك طرق أخرى تساعد في تحديد مسبب الالتهاب).
على الأغلب فإن المسبب هو فيروسي (وفي هذه الحالة يكون الالتهاب ناجماً عن الفيروس)، لكن في قسم صغير من الحالات، يجري الحديث عن مُسبب آخر للتلوّث كالطفيليّات.
3- التهاب السحايا الفيروسي (المسبب لالتهاب الأغشية هو فيروس)
إن الفيروسات الأكثر شيوعًا كمسببة لالتهاب السحايا، هي فيروسات الإنترو (Entrovirus).
هناك مسببات فيروسية أخرى شائعة، وهي الفيروسات المنقولة بالمفصليّات (Arbovirus)، فيروس الهربس الفموي من النمط الثاني (Herpes Simplex type 2) وفَيروسُ العَوَزِ المَناعِيِّ البَشَرِيّ (HIV).
العدوى الناتجة عن فيروس الإنترو، والفيروسات المنقولة بالمفصليات، تكون ذات طابع موسميّ، ويزيد انتشارها بشكل ملحوظ في فصل الصيف.
توقّعات سير المرض: إن سيرورة المرض حميدة، الحُمّى وآلام الرّأس تتلاشى خلال أسبوع تقريبًا، وباستثناء بعض الحالات النادرة، يكون الشّفاء تامًّا في القسم الأكبر من الحالات.
أعراض التهاب السحايا
أعراض التهاب السحايا يعني الظواهر التي يشعر بها ويصفها المريض والتي قد تظهر:
الصداع
رُهاب الضوء (Photophobia)
علامات المرض
وهي الأمور التي يلاحظها الطبيب أثناء الفحص وهي تشمل:
الحُمّى
تيبس عند تحريك الرقبة في المستوى الأمامي – خلفي (من الممكن أن لا تظهر هذه العلامة لدى الأطفال والعجزة)
أشكال إضافية ممكنة لظهور المرض:
تغيير في درجة الوعي
الغثيان والتقيؤ، نوبات (Seizure)
اعتلال عمل أعصاب الجمجمة
قد تظهر العلامات الإضافية التالية لدى الرضع والأطفال: فرط التهيّج، التململ واضطراب في عادات الأكل
علامات وأعراض التهاب السحايا العقيم
من الأعراض الشائعة لالتهاب السحايا العقيم:
الصداع
غثيان
ضعف عام
والعلامة الأكثر شيوعًا عند الفحص، هي الصعوبة بتحريك الرّقبة (تيبُّس الجذع). تكون صورة المرض، غالبًا، أقل استعارًا من صورته المميّزة لالتهاب السحايا الجرثوميّ.
أسباب وعوامل خطر التهاب السحايا
تشمل اساب الاصابة بالتهاب السحايا:
المكوّرات الرّئويّة (Pneumococci) – من أكثرّ مولّدات الالتهاب شيوعًا، المسؤولة عن نصف الحالات تقريبًا، وتُعتبر المسبّب للقسم الأكبر من حالات الموت
المكوّرات السّحائيّة (Meningococci) – والتي تظهر أحيانًا بصورة طفح جلدي منتشر، مكوّن من نقاط بارزة ذات اللون الأرجواني
المستديمة (Hemofilus) – نسب الإصابة بهذه الجرثومة في تراجُع مستمر منذ أصبح التطعيم مقبولاً، بل وموصى به للأطفال
تشكّل الإصابات بهذه الجراثيم الثلاث 80% من مجمل حالات الالتهاب الجرثوميّ.
عوامل الخطر
إن أكثر الناس عُرضةً للإصابة بالمرض، هم مجموعة الأشخاص المصابون بموضع تلوّثي فعّال كالتهاب الأذن الداخليّة، التهاب الجيوب في الوجه (Sinusitis)، التهاب الرئتين والتهاب الشَّغاف (Endocarditis)؛
من عوامل الخطر الإضافيّة: التليّف الكبدي (Cirrhosis)، إدمان الكحول، مرض خبيث في خلايا الدّم، اضطراب عمل الجهاز المناعي، وإصابة في الرأس سببت تسرُّب السائل الدماغي – النخاعي (Cerebrospinal fluid) قريبًا من موعد ظهور العدوى.
الجراثيم الأقلّ شيوعًا كمسبّبة للمرض
الجراثيم المكوّرة العُقَدِيَّة من النوع (ب) (Streptococcus B)- إن معظم المصابين بالتهاب جرّاء هذه الجرثومة هم أطفال دون سنّ الشهر الواحد، اللستيريّة (Listeria) المسبّبة للمرض في أواسط المولودين الجدد والعجزة
العنقوديّات الذهبية (Staphylococcus)- تسبب الالتهاب في أواسط المصابين بإصابات غارزة في الرأس أو في أواسط الأشخاص الذين خضعوا لعمليّة طبيّة باضعة للرأس
تشخيص التهاب السحايا
بما أن المرض يشكّل تهديدًا على حياة المصاب، فإنّ التشخيص السريع والعلاج الفوري عقب ذلك، إلزاميان.
إن سرد المريض لأعراض وعلامات الالتهاب التي تظهر عند الفحص، من المرجح أن تثير الشكّ حول وجود المرض في مرحلة مبكّرة.
إن الفحص المختار لتأكيد الشكوك، هو أخذ عيّنة من السائل الدماغي- النخاعي من خلال وخز الخصر (يتم بهذه العملية إدخال إبرة مجوّفة بين الفقرات الخصريّة إلى داخل القناة النخاعيّة. السّائل موجود في القناة النّخاعيّة، كميّته الكلّيّة حوالي 150 سم مكعّبًا، وهو غلاف سائل للدماغ والنخاع الشّوكي، ومن هنا تم استيحاء اسمه). يتم تحديد وجود أو عدم وجود المرض، اعتمادًا على تحليل السّائل في المختبر. إن نتائج مثل كثرة الكريات البيض (خاصة من نوع العدلات – Neutrophils مقسّمة النوى، أطلق عليها الاسم بسبب شكل النّوى غير المنتظم) أي تعداد عدّة مئات وحتّى 10.000 خليّة للملم مكعّب، نسبة جلوكوز دون النسبة الطبيعية، ونسبة بروتين أعلى من الوضع الطبيعي، تدعّم وجود المرض.
يمكن تحديد مسبّب المرض بعدّة طرق، من بينها: المشاهدة المباشرة تحت المجهر، لون مميز عند استعمال مستحضرات صبغ خاصّة، التنمية بالمُسْتَنْبِت، وحتّى بواسطة تَتَبُّع البصمة الجينيّة الخاصة بكل مولّد عدوائي.
تشخيص التهاب أغشية الدّماغ العقيم
إن الوخز الخصري (Lumbar puncture) بهدف أخذ عيّنة من سائل الدماغي – النخاعي، هو الطريقة المتبعة والشائعة لتأكيد التشخيص.
العلامات المميّزة للسائل الدماغي – النخاعي في الالتهاب الفيروسي: كثرة معتدلة لخلايا الدّم البيض (يتراوح تعدادها ما بين 10- 1000 للملم مكعّب) أغلبها من نوع الخلايا اللمفية (نواها ذات شكل كروي ومنتظم) وقيم سليمة لنسبة الجلوكوز والبروتين (قد تكون درجة البروتين أحيانًا، مرتفعة قليلاً).
من المتبع، محاولة تنمية الفيروس (تنمية الفيروس في مُسْتنبِت، ويمكن أخذ عيّنة للفيروس من المُسْتَنْبِت لتحديد هويّته) من سوائل الجسم المختلفة: السائل الدماغي – النخاعي، من الدم والبول، كما من البراز والأغشية المخاطيّة في البلعوم (مستنبت حلقي).
يكون المستنبت في الكثير من الأحيان عقيمًا، بحيث لا يمكن استنباط هويّة مولّد الالتهاب منه. إن اختبار التفاعل السِّلْسِلي لإنزيم البوليميراز (Polymerase Chain Reaction – PCR) يمكّن من التحديد الدّقيق لمولّد الالتهاب ويمكن الاستعانة به عند الحاجة.
علاج التهاب السحايا
من المتبع مباشرة علاج التهاب السحايا المبكّر قدر الإمكان بالمضادّات الحيويّة، نظرًا لطابع المرض الخطر، في الغالب مباشرةً عقب إجراء الوخز الخصري (بعد الوخز وليس قبله لمنع التّقنيع، حيث يقوم العلاج بتغيير سريع في قِيَم السّائل الدماغي – النخاعي، وعندها يكون من الصّعب التحديد الدّقيق للمرض والمولّد) وقبل تحديد هويّة مولّد المرض.
المضادات الحيوية
أما المضادّات الحيويّة المتبع استخدامها للعلاج، فهي:
سيفتريئاكسون (Ceftriaxone)- الذي يُعطى بالتسريب عبر الوريد، بجرعة 4 غرامات لليوم.
سيفوتاكسيم (Cefotaxime)- بالتسريب أيضًا عبر الوريد بجرعة 12 غرامًا لليوم.
البنسيلين – تتم عادة، إضافة البنسيلين بالتسريب عبر الوريد للأطفال والعجزة، بجرعة 12 غرامًا لليوم.
الفانكوميسين (Vancomycin)- تتم إضافته بجرعة 2 غرام لليوم، في حالات الالتهاب عقب الإصابة بالرأس أو عقب إجراءات طبّية جائرة بالرّأس.
تمّ مؤخّرًا، اكتشاف أنّه بإضافة كورتيكوستيرويد (Corticosteroid) من نوع ديكساميثازون (Dexamethasone) تنخفض نسبة الوفيّات وخطر الإعاقة الدّائمة، وسط البالغين المصابين بانتفاخ نسيج الدماغ، مع ضغط مرتفع داخل القِحف، وذوي سيرورة مرض مستعرة. (العلاج بالكورتيكوستيرويد من نوع ديكساميثازون كان شائع الاستعمال في أواسط الأطفال فحسب، حتّى فترة ليست ببعيدة، كما اكتُشِفت مساهمته بشكل كبير في خفض نسبة المضاعفات، بالتحديد، الطَرَش لدى المرضى الذين سببت لهم جرثومة المستديمة المرض. وكما ذُكِر آنفًا، فقد تمّت إجازة استعماله للبالغين أيضًا). تحديد مولّد العدوى وتقدير حساسيّته للأدوية المختلفة، يمكّن من استمراريّة العلاج بواسطة الدواء الأمثل.
علاج التهاب السحايا العقيم
يكون العلاج في الغالب، داعمًا (كالعلاج بمسكّنات الآلام والسّوائل عبر الوريد) وملائمًا للأعراض التي يعاني منها المريض.
الوقاية من التهاب السحايا
لقد ساهم التطعيم الروتيني ضدّ المستديمة النّزليّة المستخدم في أواسط الأطفال، بتخفيض نسبة حدوث التهاب السحايا التي يولّدها بشكل ملحوظ.
ينبغي تطعيم الأشخاص الذين كانوا على مقربة من مريض تم تشخيصه كمصاب بالتهاب السحايا، بسبب جرثومة المكوّرات السّحائيّة، بهدف الحدّ من خطر انتشار المرض.
كما أنّه من المتبع العلاج بالمضادّات الحيويّة الفمويّة من نوع ريفامبين (Rifampin – بجرعة 600 ملغم، مرتين يوميًّا، لمدّة يومين)، أو سيفروفلوكسين (Ciprofloxacin – بجرعة 500 ملغم عن طريق الفم لمرّة واحدة في اليوم، ليوم واحد) كعلاج للوقاية من العدوى للأشخاص، الذين كانوا على مقربة من المرضى المصابين بالمرض، الذي تمّ تحديد مسبباته كالمكوّرات السّحائيّة أو المستديمة.